[b]هكذا عشنا في كفر سيتا[/b]
[b] بقلم : موفق محمد سوداح[/b]
[b]كان ذلك في صيف عام ألفين وستة عندما دعيت من قبل قسم الشؤون الاجتماعية والعمل بوكالة الغوث الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في سورية للمشاركة في المخيم الصيفي الذي تقيمه الوكالة كل عام في منطقة كفر سيتا / محافظة طرطوس من أجل ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام من أبناء الشعب العربي الفلسطيني .[/b]
[b]سيتا ؟! :[/b]
[b] هي سيتا ونيس مبيض الإنسانة النبيلة التي جسدت وحدة الإنسان وأعطت للإنسانية كل معانيها عندما شغلت منصب سفيرة ذوي الاحتياجات الخاصة على الأرض على مدار اثني عشر عاماً قدمت من خلالها الكثير الكثير من أجل أن ترسم البسمة على شفاه الآلاف من ذوي الاحتياجات الخاصة على امتداد الوطن الكبير فكانت لهم العكاز والجهاز الطبي والقرنية والقلب النابض والأمل الموعود .[/b]
[b]أما أنا فلم أكن اقل حظاً من سيتا عندما نلت شرف الدعوة إلى هذا المخيم الصيفي خاصة وأنني كنت أعمل في إحدى المدارس المشاركة في المشروع التجريبي لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة الذي تقيمه وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية بالتعاون مع مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية وقد وجدت في ذلك باباً ألج من خلاله للخوض في هذه التجربة الإنسانية النبيلة الرائعة والاقتراب أكثر فأكثر من ذوي الاحتياجات الخاصة لفهم ما يدور في عالمهم من أحاسيس ومشاعر مجسداً بذلك إنسانية الإنسان بوصفه قيمة كبرى .[/b]
[b]من هنا قررت تسليط الأضواء على هذا القسم المظلم من العالم لينعكس نوره مشرقاً وضاءً يملأ الأرض بهجة ً وضياء ً.[/b]
[b]إلا أن الحيرة كانت تراودني دوماً ويتبادر إلى ذهني ألف سؤال وسؤال: [/b]
[b]من أين ؟... وإلى من ؟... وكيف ؟... ومتى أبدأ ؟... هل أبدأ من البداية ؟... أم أبدأ من النهاية ؟... هل أبدأ من كفر سيتا ؟... أم أبدأ من سيتا ؟... هل أبدأ من المهجع؟... أم أبدأ من البحر؟.... أم أبدأ من المطعم ؟... هل أبدأ من الأنشطة المختلفة ؟... أم أبدأ من الفعاليات المتنوعة ؟...... هل ابدأ من معن؟... أم أبدأ من عمر؟... أم أبدأ من عبد الحليم ؟... أم أبدأ من دلال؟... أم أبدأ من عائشة؟ أم أبدأ من نفسي؟!... ولا غرابة في ذلك لأنني كلما اقتربت من هؤلاء أكثر كلما وجدّت نفسي ذو حاجة خاصة لمعرفة المزيد عنهم .[/b]
[b]هذه وتلك أسئلة جعلتني أقف مشدوهاً في حيرة من أمري لأنني كنت أعرف وبحق أن الإنسان عندما يريد أن يكتب ، وعندما يودّ أن يعبّر عن مشاعره وأحاسيسه يقف عاجزاً أحياناً ، فهو يكتب عبارات قد تكون جميلة ومتناسقة ، ويرتاح لها الآخرون، لكنّ الحقيقة تبقى أبعد من ذلك. من هنا خلصت إلى أنه لا يضيرني من أين؟ وإلى من؟ وكيف؟ ومتى أكتب؟ بل من المهم جدا أن أكتب ، لأن هؤلاء جديرون وبحق أن يكتب عنهم .[/b]
[b] [/b]
[b]كفر سيتا : [/b]
[b]الأصل والتسمية : [/b]
[b]اشتقت التسمية من كلمتي ( كفر وتعني ضيعة) + سيتا نسبة إلى سيتا ونيس مبيض .[/b]
[b]وهي قرية صغيرة قرب محافظة طرطوس صممت على شكل يكون فيه أقرب ما يكون عشاً للعصفور وقرية للمعاق وهي تطل على البحر الأبيض المتوسط لتحكي للعالم أسرار عالم مليء بحكايات العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة .[/b]
[b]سيتا :[/b]
[b]وهي من مواليد مدينة حلب وكانت تعمل في دائرة المالية. وقد أحبت ذوي الاحتياجات الخاصة حباً جماً وقدمت لهم يد العون والمساعدة خلال اثني عشر عاماً رغم أنها كانت تحمل مرض اللوكيميا الذي أطاح بها. إلا أنها أبتْ قبل وفاتها إلا أن تترك لهم شيئاً يذكرهم بها وبأعمالها النبيلة، فسارعت إلى إرسال العديد من الرسائل إلى جهات مختلفة وهي على فراش الموت تعاني من سكرا ته، لتجمع أكبر قدر ٍ من الأموال وتشتري بها قطعة ً من الأرض على شاطئ البحر، تكون فيما بعد قرية ً لذوي الاحتياجات الخاصة، وبالفعل فقد حددت المنطقة الجغرافية التي سيتم بناء القرية عليها قبل رحيلها بفترة قصيرة، وكانت المنطقة وعرة وصعبة جداً، إلا أن الإرادة والتصميم حوّلا الفكرة إلى واقع نعيشه اليوم .[/b]
[b]
رسالة كفر سيتا : [/b]
[b]تقدم هذه القرية لذوي الاحتياجات الخاصة الخدمات الآتية : [/b]
[b]1- تحضير المتطوعين الذين يقومون بالخدمات الاجتماعية الضرورية لذوي الاحتياجات الخاصة.[/b]
[b]2- استقبال كافة ذوي الاحتياجات الخاصة أياً كانت اختلافاتهم ومشاكلهم الجسدية.
3.- وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في جو ينتفعون فيه من كلور البحر المفيد والرمل الأسود الغني بالحرارة وأشعة الشمس فوق البنفسجية التي تركز فيتامين (د) في عظامهم من أجل تقوية الكلس.[/b]
[b]3- جعل ذوي الاحتياجات الخاصة ينعتقون مؤقتاً من منازلهم الرطبة وانعزالهم الاجتماعي.[/b]
[b]4- منح ذوي الاحتياجات الخاصة مناسبة ليندمجوا مع أقران لهم، فيسلون عن أنفسهم ويخففون من هول إصاباتهم .[/b]
[b]5- استقبال أهالي ذوي الاحتياجات الخاصة بقصد مساعدتهم في تحمل حاجات أولادهم والتعامل معها.[/b]
[b]6- تثقيف المتطوعين ثقافة واعية.[/b]
[b]7- فتح القرية للبرامج والفعاليات والأنشطة المختلفة.[/b]
[b]8- الخدمة الطبية التي تقدمها القرية في حدود الإمكانيات المتاحة والمتوفرة.[/b]
[b]9- تحقيق الدمج الفعلي والتعاطي مع الاختلافات والتنوع .[/b]
[b] [/b]
[b]قصة شعار كفر سيتا :[/b]
[b]في صيف عام ألف وتسعمائة وواحد وثمانين، ووسط غابة كثيفة في الصلنفة وأثناء تناول وجبة الإفطار سقط مولود عصفور من عشه ولم تكن أمه موجودة لاسترجاعه، فحملته طفلة ذات حاجة ودفأته وحاولت إطعامه بعد أن شعر بالأمان. فالتقط أحد الهواة صورة لهذا المشهد الرائع الذي أصبح فيما بعد شعاراً لقرية (كفر سيتا ) .[/b]
[b]
المخيم الصيفي :[/b]
[b]تؤدي المخيمات الصيفية دوراً فعالاً في صقل المشاعر لدى ذوي الاحتياجات الخاصة للنهوض بهم إلى مستوى أفضل وانخراطهم في المجتمع ليشعروا بوجودهم وبأنهم ليسوا مهمشين في هذه الحياة بل وعلى العكس تماماً فهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع آخذين بعين الاعتبار أنه يجب علينا ألا ننظر إليهم نظرة الشفقة والرحمة لأن هذا أشد ما يبغضونه، بل يجب علينا أن نستمع إليهم ونحترم آراءهم ونعزز هواياتهم وننمي المواهب الكامنة في أعماقهم .[/b]
[b]فصحيح أن بعض الأطفال قد يكونون في غاية القسوة اتجاه الطفل المختلف، وقد ينفرون منه أحياناً، أو يشتمونه وينظرون إليه نظرات الغرابة والدهشة، وقد يلجأ البعض منهم إلى حد السخرية والاستهزاء أو النفور أو إلى حد الضرب والإيذاء والإيلام أحياناً. وقد يحدث هذا مع الكبار أيضاً في بعض الأحيان . [/b]
[b]إلا أن هذا لا يعني أن نسلم بهذا الواقع الخاطئ بل وعلى العكس تماماً يجب علينا أن نتفهم الأشخاص المختلفين بشكل أفضل سواء كان الاختلاف في اللون أو الثياب أو المعتقدات أو اللغة أو الحركات أو القدرات أو الشكل أو حتى في أبسط الأشياء .[/b]
[b]والمهمة الملقاة على عاتقنا مهمة كبيرة جداً تحتم علينا وبحكم التعامل مع أرقى المخلوقات- ألا وهو الإنسان- أن نكون الطليعة الواعية المبادرة لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على ممارسة كافة الحقوق دون أدنى انتقاص منها وتشجيع الفئة الثانية على فهم ذوي الاحتياجات الخاصة وتقبلهم ومساعدتهم لها .[/b]
[b]من هنا نرى أن المهمة ذو شقين متلازمين لا يمكن الفصل بينهما إطلاقاً وعلينا أن ندرك تماماً هذه الحقيقة التي لا مناص منها لأن كل منا في نهاية المطاف هو ذو حاجة خاصة.[/b]
[b]الأنشطة : [/b]
[b]يتضمن المخيم الصيفي لذوي الاحتياجات الخاصة العديد من الأنشطة الهامة والتي تخدم تحقيق الأهداف التي من اجلها أقيم النادي وهذه الأنشطة تتضمن فعاليات مختلفة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: [/b]
[b]( الأنشطة الرياضية، الأنشطة الفنية، الأنشطة الثقافية، الأنشطة الصحية،الأنشطة التعليمية، الأنشطة التربوية،الأنشطة التهذيبية.... الخ) .[/b]
[b]
[/b]
[b]نحن في النادي الصيفي : [/b]
[b]منذ اليوم الأول في المخيم تبلورت لدي الفكرة تماماً واتخذت قراراً بأن أراقب الأحداث على أرض الواقع لأكتب عن مجرياتها جماعية كانت أم فردية علها تفسر لي شيئاً مما يدور في خاطري عن هذا العالم المجهول فتجولت في المخيم بحثاً عن ضالتي المنشودة ألا وهي فكرة الدمج لأرى بأم عيني كيف ستكون الأمور وكيف سأوظف كتابتي عن هذا المجال .[/b]
[b]ومنذ اللحظة الأولى انتابني شعور غريب وعجيب عندما رأيت الدمج يبدأ من الدّين في ذلك المكان الذي صمم على شكل يكون فيه كنيسة للمسيحي ومسجداً للمسلم ولا ضير في ذلك فكلنا خلق الله وكلنا يعبد الله سبحانه وتعالى وكل يمارس دينه حسب طقوسه.[/b]
[b]ثم انطلقت قدماي إلى المستوصف الذي يحتوي على كميات من الأدوية المتنوعة ويقيم فيه الطبيب أحمد إبراهيم أحمد مدير المنطقة الوسطى بوكالة الغوث الدولية والذي يقدم الخدمات لجميع من في المعسكر دون مقابل مادي ودون أي اعتبارات مادية ولكن الذي يدفعه إلى ذلك هو العمل الإنساني النبيل الخالص وعندما سألته عن المستوصف قال لي : أنه ملك للجميع وأن الأدوية الموجودة في الصيدلية هي على شكل تبرعات من أناس مختلفين لا يعرفون بعضهم . فكل من يأتي إلى هذه القرية – كفر سيتا – يجلب معه كمية من الأدوية ويضعها في الصيدلية ويتركها عند المغادرة ليستخدمها من يأتي بعده.[/b]
[b]أما الأماكن التي يسكن فيها الأطفال فهي مكيفة هندسياً بشكل يقدم الخدمات للجميع لتحقيق أقصى درجات الراحة والأمان وقد استخدمت الطوابق العليا للنوم والطوابق السفلى لممارسة مختلف الأنشطة والفعاليات والهوايات. فهذه قاعة للرسم والأعمال اليدوية وهذه قاعة للتعلم على الحاسوب وتلك قاعة لتعليم التقاط الصور. وسنأتي على ذكر كل نشاط في حينه.[/b]
[b]المشرفون والمشرفات : [/b]
[b]هم أناس تقف كل أبجديات العالم عاجزة صاغرة أمامهم، ولو اجتمعت كل الحروف والكلمات والجمل فلن تستطيع أن تصف أياً منهم لأنهم أتوا متطوعين من تلقاء أنفسهم- مقبلين لا مدبرين- من أجل خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة على اختلاف حاجاتهم وتفاوت درجاتها.[/b]
[b]كيف لا؟ وبعضٌ منا يتأفف أحياناً من فرد واحد ذو حاجة خاصة.[/b]
[b]كيف لا؟ وبعضٌ منا ينام في بيته قرير العين دون أن يكترث بهموم الآخرين.[/b]
[b]كيف لا؟ وبعضٌ منا لا يعرف أن هناك أناس معذبون في الأرض.[/b]
[b]حقاً إن المشرفين والمشرفات لجديرون بكل الاحترام والتقدير لأنهم يستحقون ذلك.[/b]
[b]لأن الله سبحانه وتعالى أراد بمشيئته أن يسخر لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة في هذا التجمع أناساً طيبين يحملون في أعماقهم كل معاني الحب والحنان والأخلاق الحميدة.[/b]
[b]فالأستاذ أيوب دياب ( مدير المخيم الصيفي ) ذو القامة الطويلة السمراء اللون، والقلب الطيب، والنفس المتواضعة ، تراه يتجول في المعسكر متنقلاً من مكان إلى آخر ليطمئن عن حال كل من في المخيم لا يدفعه إلى هذا العمل النبيل سوى الإيمان المطلق بأن الحياة تكافل وتضحية.[/b]
[b]وتلك الآنسة نجاح زغموت، الإنسانة الطيبة، تراها تندفع إلى المبادرة وتأمين حاجات الآخرين دون كلل أو ملل يدفعها إلى ذلك إيمان راسخ، وعزيمة صادقة، وعمل دؤوب.[/b]
[b]أما قاسم صوان – ذاك الشاب الطيب - فتراه ينهمك في تأمين اللباس والطعام والشراب بأقصى درجات الشروط الصحية لا يدفعه إلى ذلك سوى حبه الخالص للآخرين .[/b]
[b]برنامج المخيم الصيفي : [/b]
[b]يستيقظ المشاركون في المخيم في الساعة السادسة والنصف صباحاً لممارسة درس الرياضة الصباحية الخفيفة التي تناسب قدرات الجميع على اختلاف حاجاتهم حيث يشرف الأستاذ عمر عبد اللطيف على درس الرياضة الصباحية الذي يبدأ بالجري أو المشي الخفيف حول الملعب ثم ينفذون بعض التمرينات الرياضية الخفيفة في المكان ثم ينتقلون إلى مباراة بكرة القدم يحكمها واحد ٌ من ذوي الاحتياجات الخاصة مطلقاً صافرته بعصبية لإعلان بدء المباراة، فتراه يرفع حاجبيه مكشراً ليفرض قراراته على هواه وكما يريد. دون أن يسمح لأحد من اللاعبين أن يتدخل في قراراته. لا يحدّ من غضبه سوى ضحكة يطلقها بين الفينة والأخرى وخاصة عندما يحاول أحد المدربين أن يشجعه على التحكيم .[/b]
[b]ثم ينتقل الجميع إلى تناول طعام الفطور الصباحي فتراهم يتحلقون حول الموائد ينتظرون شارة المباشرة في تناول الفطور بينما يتجول المشرفون والمشرفات بينهم لتأمين حاجاتهم وطلباتهم. يحنّون عليهم ويربتون على أكتافهم وكأنهم أكبادهم تمشي على الأرض.[/b]
[b]وبعد الانتهاء من تناول الفطور تنصرف المشرفات إلى أعمال النظافة بكلّ جدّ ٍ ونشاط ٍ لا يدفعهم إلى المبادرة في العمل سوى العمل الإنساني النبيل الخالص.[/b]
[b]بعد ذلك يتوجه الجميع إلى البحر للسباحة حيث ينتشرون في منطقة محددة تؤمن لهم كل مقومات السلامة و الأمان وهنا تبدأ عملية المراقبة لسلوك كل واحد منهم حيث كنت أرى في كل أصحاب متلازمة داون الحنان المنقطع النظير الذي يبدونه تجاه الآخرين حيث أن بعضاً منهم يمارس رياضة السباحة فتراه ينتقل من مجموعة إلى أخرى وكأنه يريد أن يندمج مع الجميع دونمـــــا أي حواجز أو وموانع تذكر. وقسم لا ينزل إلى البحر بل يكتفي بعملية المراقبة لكل من نزل البحر وكأنه يخاف عليهم من أي مكروه قد يحيق بهم. أما القسم الثالث فتراه يحتار بين هذا وذاك فتراه يداعب الموج بين المد والجزر.[/b]
[b]لقد كنت أنظر إليهم وأنا أرى بأم عيني المعنى الحقيقي لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة بكل مفاهيمه المعنوية والإنسانية والأخلاقية. حيث كان الجميع يلعبون ويمرحون وكأنهم عائلة واحدة فهذا يسبح بوساطة الإطار المطاطي، وذاك يلعب بكرة الماء الهوائية الخفيفة الملونة ، وتلك تراقب الجميع عن كثب، وهذه تضحك لكل المواقف. والمدرب ينتقل من مجموعة إلى مجموعة ليمازحهم ويلعب معهم وكأنه الأب الحنون عليهم. وتلك المجموعة تبني بيتاً من الرمل ثم تهدمه ثم تبنيه. [/b]
[b]ومشرفات يجلسن على مقعد خشبي على الشاطئ ويراقبن من بعيد هذا العالم السعيد الذي نسي فيه كل واحد منهم حاجته وانصهر في بوتقة الجماعة.[/b]
[b]أما أنا فقد كنت أراقب بشغف وبكل الأحاسيس تلك المواقف لأخترق كنه هذا العالم وأسلط الضوء عليه لأنني آمنت كل الإيمان بأن هؤلاء لجديرون بأن يعيشوا بأمن وسلام .[/b]
[b]فهذه عائشة – ابنة الصف الثاني – تجلس بالقرب مني وتراقبني ماذا أفعل وما الذي أكتبه وهي لا تدري أنني أكتب عن عالمها الجميل الذي لا يعرف الحقد والكراهية. [/b]
[b]وكم عجبت عندما أمعنتُ النظر إليها فرأيتها تذرف الدموع من عينيها الجميلتين البريئتين ولا عجب في ذلك فهي مشتاقة إلى أمها لتحنو عليها. ومن منا لا يحنّ إلى أمه.[/b]
[b]وتلك دلال – ذات المتلازمة داون – كانت تقف على الشاطئ مكتوفة اليدين. تروح وتجيء وتراقب بانتباه وحذر شديدين. تلاعب الموج ويلاعبها وكأنه يعرف بحالها، فتراها ترجع إلى الوراء عندما تتقدم الموجة على الشاطئ، ثم لا تلبث أن تعود عندما تنحسر الموجة إلى الوراء، ثم تجلس القرفصاء وتشير بإصبعها إلى هذا أو ذاك أو هذه أو تلك بثغر باسم جميل يحمل في طياته كل معاني البراءة والطفولة.[/b]
[b]لقد كانت بحق مندمجة معهم بمشاعرها و أحاسيسها لا بجسدها حيث لم تنزل إلى البحر أو تلامس ماءه .[/b]
[b]أما عبد الحليم – متلازمة داون – فقد كان يجلس بالقرب مني على مقعد خشبي صغير، يراقب بصمت هادئ، وعينين حاذقتين، حركات الجميع، دونما أن يتحدث بكلمة. ثم لا يلبث أن يضع صافرته في فمه ليطلق صوتاً قوياً مصدراً أوامره أن ِ ابتعدوا واحذروا. ثم تسمعه يصدر تمتمات ٍ لا تفهم منها شيئاً إلا أنك تستطيع تفسيرها من خلال سلوكه وتصرفاته. أما عن سبب عدم نزوله إلى البحر ومشاركة الآخرين في اللعب بالماء فهو يقول أنه لا يجيد السباحة أبداً .[/b]
[b]كما أنك تراه ينظر إلى الورقة التي أدوّن عليها كتاباتي وكأنه يجيد القراءة والكتابة ثم يسألني عما أفعل فأجيبه بابتسامة عريضة تنم عن الرضا عنه فيبادرني القبلة التي عهدتها منه دوماً.أما تلك المشرفة التي جلست بالقرب مني وسألتني عما أفعل فقد أبدت إعجاباً شديداً بالفكرة وأخذت تسترسل -دون أن تدري- في سرد قصة شقيقها وشقيقتها اللذان كانا يعانيان من نقص في السمع والنطق وكم كانت أمها تمضي من الأيام في نحيب وبكاء على الواقع المرير الذي يعيشه ولداها في وقت لم يكن المجتمع يتقبل فيه بعد فكرة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة ولم تكن هناك الرعاية الكافية لهذه الفئة من الناس كما يحدث في يومنا هذا مما كان يفرض على شقيقها الذي كان على قدر ٍ كبير من جمال المحيا وشقيقتها السمراء اللطيفة الانزواء في المنزل وعدم
الاختلاط مع الناس أو معاشرتهم مع العلم أن العيب ليس في هذين الشخصين بل العيب في المجتمع الذي كان يرفض ذلك لمجرد جهل أو عدم دراية .[/b]
[b]إلا أن الأيام كفيلة أن تحقّ الحقّ وتزهق الباطل لأن هذه هي شريعة الله سبحانه وتعالى ولا ضير في ذلك لأننا جميعاً خلقنا سواسية كأسنان المشط ولا فرق لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح فقد أبدت الدولة اهتماماً كبيراً بذوي الاحتياجات الخاصة مما ساعد الفتاة على الانخراط في مركز ٍ للتأهيل المجتمعي لتتعلم مهنة الخياطة، والشاب في مركز يتعلم فيه مهنة الحلاقة الرجالية وبذلك تكون قد خفت أعباء الحياة على هذين المخلوقين لأنهما قد انخرطا في المجتمع وأصبحا عضويْن منتجيْن في هذا المجتمع بدلاً من أن يكونا عالة ً عليه.[/b]
[b]داخل القاعة : [/b]
[b]بعد الانتهاء من البحر مباشرة يذهب الجميع إلى الاستحمام وإزالة المياه المالحة والرمال عن أجسادهم البريئة ثم يتوجهون إلى قاعات العمل لممارسة الأنشطة المختلفة حيث قسموا إلى مجموعات تراعى من خلالها قدراتهم الجسدية والعقلية والفيزيولوجية كل حسب حاجاته وقدراته ثم يبدأ المشرفون والمشرفات بالعمل معهم وتدريبهم على مهارات مختلفة بينما رحت ُ أتجول بين القاعات لأرى بأم عيني كيف يعمل هؤلاء مذللين الصعاب ومتغلبين على مشكلاتهم ليكونوا أعضاء فاعلين ومؤثرين في المجتمع .[/b]
[b]في قاعة الرسم : [/b]
[b]دخلت إلى القاعة عندما كان المشرف يتناول موضوعاً يخص عالم ذوي الاحتياجات الخاصة حيث أطلق لهم العنان ليعبروا بالرسم عما يجول في أعماقهم من أحاسيس ومشاعر وكيف تملي عليهم حاجاتهم أن يتعاملوا معها، أو أن يجدوا طرقاً للتواصل مع الآخرين . فراحوا ينكبون على الرسم متناولين موضوعات مختلفة رأيت من خلالها المعنى الحقيقي للكفاح من أجل البقاء رغم كل الظروف والتحديات التي تفرضها الحياة عليهم .[/b]
[b]فهذا محمد ٌ يرسم طفلاً يتكئ ُ على عكازين وقد بترت ساقه، إلا أنه يصمم على أن يرسم البسمة على شفتيه كدليل على التشبث بالحياة غير آبه بما حلّ به من المصائب.[/b]
[b]وهذا عبد الله يرسم طفلاً مبتور اليدين من الأكتاف ويستخدم قدميه في العمل لا تثنيه إعاقته عن مواصلة الحياة.[/b]
[b]وهذا نمر يرسم طفلاً يجلس على كرسي نقال يساعده صديقه في الذهاب إلى المدرسة بينما تتقدم منه فتاة لتقدم له وردة حمراء تعبيراً عن الطفولة البريئة.[/b]
[b]أما البنات منهن فانصرفن إلى أعمال ( الكنفا ) حيث ينسجن أعلام الوطن بهمة ونشاط، ويرسمن أشكالاً جميلة، فتبدو ألوان الأعلام زاهية ً.[/b]
[b]أما دلال فراحتْ تصنع من المعجون أشكالاً جميلة ً لحيواناتٍ مختلفة ٍ وتضعها على المنضدة الواحدة تلو الأخرى ، فرحة مبتسمة بعد كل إنجاز ٍ تحققه.[/b]
[b]كل ذلك لم يكن في منأى عن المشرفات اللواتي رحن يتجولن بين الأطفال لتقديم المساعدة حيناً وتنمية المواهب حيناً آخر من خلال عبارات التشجيع والترغيب التي يقدمنها للأطفال .[/b]
[b]قاعة الحاسوب :[/b]
[b]لا أخفي سراً أنني بينما كنت متجهاً في الطريق المتعرج إلى غرفة الحاسوب كنت أفكر بدهشة وغرابة متسائلاً: كيف لهذه الفئة أو تلك أن تتعامل مع هذا الجهاز المتطور العجيب الذي يتطلب من الإنسان أعلى درجات الدقة والمهارة. إلا أنه كان قد فاتني أن هذا الحاسوب الصغير الدقيق ما هو إلا من صنع يد الإنسان ذو العقل المفكر والمدبر. وبالفعل فقد أيقنت عندما دخلت ُ القاعة أن الإنسان عظيم ٌ يستطيع أن يحقق كل ما يصبو إليه عندما يمتلك العزيمة والتصميم على بلوغ الهدف .[/b]
[b]فهذا المدرب أوس - صاحب القلب الطيب، والأخلاق العالية، والشخصية الرزينة ، تراه قد قسم المتدربين إلى مجموعات تكافلت فيما بينها بقدراتها الجسمية والعقلية يساعده في ذلك شاب وسيم المظهر، دمث الخلق ، ومما ساعد على النجاح في ذلك هو ذكاء المدرب الذي عرف كيف يستنهض القدرات الكامنة لدى هؤلاء الأطفال كل حسب قدراته وحاجته.[/b]
[b]
قاعة الأعمال اليدوية :[/b]
[b]في هذه القاعة تتجلى العبقرية الخالصة لذوي الاحتياجات الخاصة، فالطفلة التي تعاني من ضعف في طرفيها العلويين تضع في فمها اسطوانة بلاستيكية صغيرة (شراقة كازوز) وتنفخ فيها على ألوان مائية سائلة ليتطاير الرذاذ منها على الورق محدثاً بقعاً لونية جميلة أخاذة أقرب ما تكون إلى لوحة من الفسيفساء المنقوشة بكل مهارة وإتقان.[/b]
[b]والطفلة الضعيفة البصر ترصف قطعاً من أصداف البحر الجميلة, أو حبات الفستق أو المعكرونة أو حبات العدس بعد أن تتحسسها بكلتا يديها بشكل متلاصق على آنية من الفخار لتبدو آية في الروعة والجمال.[/b]
[b]أما الطفل الذي يعاني من ضعف في السمع فتراه مرهف الحس من خلال صندوق يلف حوله حبلاً من القنب ليصنع منه علبة ً للضيافة أو وعاء ً للمناديل الورقية.[/b]
[b]وأما أصحاب متـــلازمة داون فترى كل واحد منهم وقد انكب مع المشـــرفة على المنضـدة يتعلم ما يحلو له من الأعمال اليدوية البسيطة.[/b]
[b]فن التصوير : [/b]
[b]بعد أن تلقى الجميع درساً من قبل المدرب بسام في فن التصوير وكيفية استخدام آلة التصوير وكيفية توضيح الصورة قبل أخذ اللقطة أخذوا يطبقون ما كانوا قد تعلموه بشكل عملي وكم كانت الصورة جميلة ومعبرة تلك التي التقطها أحدهم لعجوز في التسعين من عمره بينما كان جالساً على كرسي بال ٍ جار الزمن عليه حتى أكل بعضاً من أخشابه والتي نالت فيما بعد إعجاب الجميع لتنال جائزة أجمل لقطة.[/b]
[b]في المطعم : [/b]
[b]كم كان يروق لي هذا المنظر الجميل الرائع الذي يتجلى في المطعم، حيث ترى فيهم مثال الأسرة السعيدة التي لا يشوبها أي مكر أو خداع أو أنانية. بل وعلى العكس تماماً ترى كل واحد منهم يكمل الآخر وإن أعظــم ما كان يشــد انتباهي في هذا المكان أصحاب متلازمــة داون الذين لا يتناولون الطعام قبل أن يتأكدوا من أن الجميع جالس في مكانه، وطلباته مؤمنة، ولا ينقصه شيء. ولا غرابة من أن ترى ذاك البطل (معن) يتناول الطعام دون أن ينبث ببنت شفة أو يأتي بأي حركة سوى تلك الحركات التي يلقف من خلالها اللقمة في فيه أو يغمس لقمة من الوعاء الذي أمامه.[/b]
[b]وهذا عبد الحليم تراه يتمتم دون أن تفهم ما يريد ويهب واقفاً بين الفينة والأخرى ليسكب طعاماً من هذا الوعاء أو من ذاك الوعاء .[/b]
[b]أما عمر فما أكثر أن ينزوي جانباً معلناً عدم الرضا عن هذا أو ذاك دون أسباب تذكر.
ولقد لفت نظري في هذه اللحظة طفلتين صغيرتين تجلس كل منهما على كرسي متحرك مما أثار فضولي إلى أن أراقبهما بدقة متناهية لأرى كيف ستتدبران أمرهما. وكم كانت الأصابع الصغيرة معبرة عندما تمزق اللقيمة وتحملها إلى الفم تحمل في طياتها ألف سؤال وسؤال .[/b]
[b]وكم كنت سعيدا عندما طلبت من الطفلة ملك ذات الخمس سنوات أن أقوم بإطعامها فابتسمت إيجاباً لتجعلني أحس بأنني أمتلك العالم بين يدي.[/b]
[b]
العصر ونية :[/b]
[b]في الوقت الذي يذهب فيه الجميع من أجل القيلولة كانت هناك المجموعة التي ستشارك في حفلات المساء تواصل تدريباتها على لوحة فنية بقيادة الأستاذ (محمد حيفاوي) على إيقاع أغنية قام بتلحينها الأستاذ الملحن فؤاد موعد والتي تحمل في طياتها تمسك ذوي الاحتياجات الخاصة بالحياة عندما يطلبون من الآخرين تقبلهم متمسكين بحقهم في البقاء.[/b]
[b]ومجموعة تتدرب على الدبكة الفلسطينية بقيادة الأستاذ زياد ترشحاني الذي لم يبخل بحركة واحدة على طفل يدفعه إلى ذلك الحس الوطني الخالص.[/b]
[b]حفلة سمر: [/b]
[b]مساء كل يوم، وعلى إيقاع أمواج البحر المتلاطمة التي تشق طريقها وسط الصمت الهادئ، وفي ليلة صافية تتألق فيها النجوم متلألئة في كبد السماء، وفي ظل رطوبة تحمل في ذراتها رائحة البحر الرطبة، وبعد أن يتناول الجميع طعام العشاء. [/b]
[b]يجتمع المشاركون في الساحة العامة التي جهزت بالأعلام، والزينات، والبالونات الملونة، وانتصبت أجهزة الصوت وسط الساحة ليتألق صوت المطرب الفنان القدير تميم مشهراوي الذي يشق بصوته المخملي العذب عباب البحر، وعنان السماء ليقول كلمته الحق في ذوي الاحتياجات الخاصة. ولا عجب في ذلك فهو واحد منهم، يشعر بشعورهم، ويحس بأحاسيسهم، يفرح لفرحهم، ويتألم لآلامهم .[/b]
[b]أما الآنسة - رانيا عنقا - التي حلت لساعات ضيفة على المخيم فقد أبت إلا أن تقدم معزوفة على الآلة الموسيقية لتعلن على الملأ أن الإرادة والتصميم هما السبيل إلى الحياة الكريمة. وكم كانت دهشة الحضور كبيرة عندما أبدعت في العزف رغم الظروف الجسدية التي تحيط بها يدفعها إلى ذلك عشقها للحياة وحبها للبشر.[/b]
[b]ويتخلل الحفل أنشطة ومسابقات وفعاليات مختلفة يشارك فيها الجميع بمنتهى درجات الفرح والسعادة حيث ترى البسمة ترتسم على شفاه الجميع.[/b]
[b]كما يشارك في الحفل جمهورٌ كبير ٌ يأتي من قرية كفر سيتا معلناً أن الحياة لا تتوقف عند هذا الحد أو ذاك، ولا تقتصر على أبيض أو أسود، أو مسلم أو مسيحي، فالكل هنا سواء يشاركون بعضهم بعضا في الأفراح المسرات.[/b]
[b]الثلاثي المرح: [/b]
[b]إن نظرة بسيطة لمختلف الأنشطة التي تقام في المخيم الصيفي لذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام من أبناء الشعب العربي الفلسطيني تجعلك ترى ثلاثة من أصحاب متلازمة داون يشكلون العصب الرئيس، والشريان النابض، والقاسم المشترك، في كل الفعاليات. وإن أهم ما يشد انتباهك من صفات ٍ تجمع بين هؤلاء الثلاثة هي الحنان الزائد، والخوف على الآخر، والغيرة فيما بينهم إلى درجة كبيرة. وهم يتفاوتون فيما بينهم بدرجة الذكاء، وهذا ما يمكن أن تلاحظه من تصرفاتهم حيال مختلف المواقف، وكيف يتعاملون معها، أو من خلال سلوكيات يتصرفونها فهذا (معن) تراه في غاية النظافة والترتيب ويمتلك القدرة الفائقة على التعامل مع مختلف المواقف ولا عجب إن قلت لك أنه يمتاز بسرعة البديهة ومهارة متناهية في الدقة على التقليد والتمثيل والميل إلى الحركات الإيمائية المعبرة فتراه يقلد حركات صياد ٍ ماهر ٍ يحمل بندقية ويصوبها إلى عصفور ٍ حطّ على شجرة عالية دون أن ينسى أياً من الخطوات بدءاً من تجهيز البندقية وانتهاء ً بسقوط العصفور على الأرض. أو أنك تراه يقلد حركات الحلاق وهو يزيّن ذقن أحد الزبائن دون أن ينسى أياً من الخطوات أيضاً. هذا فضلاً عن استطاعته تقليد حركات أيّ ٍ من المشرفين في المخيم. أو أداء الرقصات الحلبية الجميلة.[/b]
[b]وتراه مرهف الحس إلى درجة كبيرة تجعله يتأثر بالمواقف الحزينة إلى درجة ذرف الدموع الدافئـة على وجنتيـه.[/b]
[b]ثـم يطـل عليك عمـر الذي يميل للغيرة من معن أو من عبد الحليم بشكل غريب وعجيب وكثيراً ما ينزعج أبســط الأســباب وينزوي جانبــاً أو يحــزم أمتعته مهدداً بالسفر إلى بيته في دمشق ولا يتراجع عن قراره هذا حتى تعيره اهتماماً أو يأتي المشرف (قاسم) ليغويه بهمسات ٍ في أذنيه، بينما يتساءل الجميع عن سرّ هذا اللغز بينهما.[/b]
[b]وما أكثر ما يقترب منك عندما تعيره اهتماماً ليطبع على وجنتيك القبلة تلو الأخرى تعبيراً عن رضاه عنك وحبه لك.[/b]
[b]وأما عبد الحليم فتراه يقترب من هذا وذاك سعياً منه أن يلقى اهتماما من الآخرين، خاصة وأنه يرى اهتمام الجميع بحركات معن. إلا أنك تراه يبدي استياء ً من تصرفات عمر وانزعاجا ته التي لا مبرر لها وانزواءاته في الزوايا المختلفة ، ويعبر عن استنكاره لهذه التصرفات من خلال تمتمات اعتاد عليها الجميع دون أن يفهم أحد معناها.[/b]
[b]الوداع : [/b]
[b]صعبة هي لحظات الفراق ، وصعبة لحظات الوداع الأخيرة، وقاسية ساعة فراق الأحبة ، ولكن الأصعب من هذا وذاك أن يستطيع المرء وصف تلك اللحظات ببضع من السطور، على بعض ٍ من الصفحات ، بقليل من الحروف والكلمات، وذاكرة خجولة، ولكن لا بد من المحاولة، لأنها مواقف تستحق الوقوف عندها. فهي تفتت الحجر الأصم، وتجعل القلب يخفق بالحب والحنان لأناس عشت معهم على مدار سبعة أيام خلتْ، عرفت فيهم كل معاني الإنسانية.[/b]
[b]وكم هي صعبة تلك اللحظة التي توقفت فيها ثلاث حافلات كبيرة استعداداً لساعة الانطلاق والرحيل حيث يتجه كل ٌ إلى بلده. وما أشده من منظر مؤثر عندما ترى الأطفال يودعون بعضهم بعضاً والدموع تنهمر من المآقي معلنة أن لا وداعاً..لا وداعاً... بل لقاء... بل لقاء نعم... فهم على حق لأنهم يعرفون تمام المعرفة، أنهم على موعد في العام القادم، وفي نفس الزمان والمكان. ومن يدري من يأتي في العام القادم أو لا يأتي لأن هذا مرهون بمشيئة القدر. ولكن وعلى كل حال لا بأس في ذلك فالكل في الحال سواء وهذه هي حال الدنيا. ولكن المهم أن نخلص إلى أن ذوي الاحتياجات الخاصة هم أناس ٌ طيبون يستحقون الحياة كما نستحقها نحن فكلنا خلق الله.[/b]
[b] بقلم : موفق محمد سوداح[/b]
[b]كان ذلك في صيف عام ألفين وستة عندما دعيت من قبل قسم الشؤون الاجتماعية والعمل بوكالة الغوث الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في سورية للمشاركة في المخيم الصيفي الذي تقيمه الوكالة كل عام في منطقة كفر سيتا / محافظة طرطوس من أجل ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام من أبناء الشعب العربي الفلسطيني .[/b]
[b]سيتا ؟! :[/b]
[b] هي سيتا ونيس مبيض الإنسانة النبيلة التي جسدت وحدة الإنسان وأعطت للإنسانية كل معانيها عندما شغلت منصب سفيرة ذوي الاحتياجات الخاصة على الأرض على مدار اثني عشر عاماً قدمت من خلالها الكثير الكثير من أجل أن ترسم البسمة على شفاه الآلاف من ذوي الاحتياجات الخاصة على امتداد الوطن الكبير فكانت لهم العكاز والجهاز الطبي والقرنية والقلب النابض والأمل الموعود .[/b]
[b]أما أنا فلم أكن اقل حظاً من سيتا عندما نلت شرف الدعوة إلى هذا المخيم الصيفي خاصة وأنني كنت أعمل في إحدى المدارس المشاركة في المشروع التجريبي لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة الذي تقيمه وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية بالتعاون مع مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية وقد وجدت في ذلك باباً ألج من خلاله للخوض في هذه التجربة الإنسانية النبيلة الرائعة والاقتراب أكثر فأكثر من ذوي الاحتياجات الخاصة لفهم ما يدور في عالمهم من أحاسيس ومشاعر مجسداً بذلك إنسانية الإنسان بوصفه قيمة كبرى .[/b]
[b]من هنا قررت تسليط الأضواء على هذا القسم المظلم من العالم لينعكس نوره مشرقاً وضاءً يملأ الأرض بهجة ً وضياء ً.[/b]
[b]إلا أن الحيرة كانت تراودني دوماً ويتبادر إلى ذهني ألف سؤال وسؤال: [/b]
[b]من أين ؟... وإلى من ؟... وكيف ؟... ومتى أبدأ ؟... هل أبدأ من البداية ؟... أم أبدأ من النهاية ؟... هل أبدأ من كفر سيتا ؟... أم أبدأ من سيتا ؟... هل أبدأ من المهجع؟... أم أبدأ من البحر؟.... أم أبدأ من المطعم ؟... هل أبدأ من الأنشطة المختلفة ؟... أم أبدأ من الفعاليات المتنوعة ؟...... هل ابدأ من معن؟... أم أبدأ من عمر؟... أم أبدأ من عبد الحليم ؟... أم أبدأ من دلال؟... أم أبدأ من عائشة؟ أم أبدأ من نفسي؟!... ولا غرابة في ذلك لأنني كلما اقتربت من هؤلاء أكثر كلما وجدّت نفسي ذو حاجة خاصة لمعرفة المزيد عنهم .[/b]
[b]هذه وتلك أسئلة جعلتني أقف مشدوهاً في حيرة من أمري لأنني كنت أعرف وبحق أن الإنسان عندما يريد أن يكتب ، وعندما يودّ أن يعبّر عن مشاعره وأحاسيسه يقف عاجزاً أحياناً ، فهو يكتب عبارات قد تكون جميلة ومتناسقة ، ويرتاح لها الآخرون، لكنّ الحقيقة تبقى أبعد من ذلك. من هنا خلصت إلى أنه لا يضيرني من أين؟ وإلى من؟ وكيف؟ ومتى أكتب؟ بل من المهم جدا أن أكتب ، لأن هؤلاء جديرون وبحق أن يكتب عنهم .[/b]
[b] [/b]
[b]كفر سيتا : [/b]
[b]الأصل والتسمية : [/b]
[b]اشتقت التسمية من كلمتي ( كفر وتعني ضيعة) + سيتا نسبة إلى سيتا ونيس مبيض .[/b]
[b]وهي قرية صغيرة قرب محافظة طرطوس صممت على شكل يكون فيه أقرب ما يكون عشاً للعصفور وقرية للمعاق وهي تطل على البحر الأبيض المتوسط لتحكي للعالم أسرار عالم مليء بحكايات العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة .[/b]
[b]سيتا :[/b]
[b]وهي من مواليد مدينة حلب وكانت تعمل في دائرة المالية. وقد أحبت ذوي الاحتياجات الخاصة حباً جماً وقدمت لهم يد العون والمساعدة خلال اثني عشر عاماً رغم أنها كانت تحمل مرض اللوكيميا الذي أطاح بها. إلا أنها أبتْ قبل وفاتها إلا أن تترك لهم شيئاً يذكرهم بها وبأعمالها النبيلة، فسارعت إلى إرسال العديد من الرسائل إلى جهات مختلفة وهي على فراش الموت تعاني من سكرا ته، لتجمع أكبر قدر ٍ من الأموال وتشتري بها قطعة ً من الأرض على شاطئ البحر، تكون فيما بعد قرية ً لذوي الاحتياجات الخاصة، وبالفعل فقد حددت المنطقة الجغرافية التي سيتم بناء القرية عليها قبل رحيلها بفترة قصيرة، وكانت المنطقة وعرة وصعبة جداً، إلا أن الإرادة والتصميم حوّلا الفكرة إلى واقع نعيشه اليوم .[/b]
[b]
رسالة كفر سيتا : [/b]
[b]تقدم هذه القرية لذوي الاحتياجات الخاصة الخدمات الآتية : [/b]
[b]1- تحضير المتطوعين الذين يقومون بالخدمات الاجتماعية الضرورية لذوي الاحتياجات الخاصة.[/b]
[b]2- استقبال كافة ذوي الاحتياجات الخاصة أياً كانت اختلافاتهم ومشاكلهم الجسدية.
3.- وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في جو ينتفعون فيه من كلور البحر المفيد والرمل الأسود الغني بالحرارة وأشعة الشمس فوق البنفسجية التي تركز فيتامين (د) في عظامهم من أجل تقوية الكلس.[/b]
[b]3- جعل ذوي الاحتياجات الخاصة ينعتقون مؤقتاً من منازلهم الرطبة وانعزالهم الاجتماعي.[/b]
[b]4- منح ذوي الاحتياجات الخاصة مناسبة ليندمجوا مع أقران لهم، فيسلون عن أنفسهم ويخففون من هول إصاباتهم .[/b]
[b]5- استقبال أهالي ذوي الاحتياجات الخاصة بقصد مساعدتهم في تحمل حاجات أولادهم والتعامل معها.[/b]
[b]6- تثقيف المتطوعين ثقافة واعية.[/b]
[b]7- فتح القرية للبرامج والفعاليات والأنشطة المختلفة.[/b]
[b]8- الخدمة الطبية التي تقدمها القرية في حدود الإمكانيات المتاحة والمتوفرة.[/b]
[b]9- تحقيق الدمج الفعلي والتعاطي مع الاختلافات والتنوع .[/b]
[b] [/b]
[b]قصة شعار كفر سيتا :[/b]
[b]في صيف عام ألف وتسعمائة وواحد وثمانين، ووسط غابة كثيفة في الصلنفة وأثناء تناول وجبة الإفطار سقط مولود عصفور من عشه ولم تكن أمه موجودة لاسترجاعه، فحملته طفلة ذات حاجة ودفأته وحاولت إطعامه بعد أن شعر بالأمان. فالتقط أحد الهواة صورة لهذا المشهد الرائع الذي أصبح فيما بعد شعاراً لقرية (كفر سيتا ) .[/b]
[b]
المخيم الصيفي :[/b]
[b]تؤدي المخيمات الصيفية دوراً فعالاً في صقل المشاعر لدى ذوي الاحتياجات الخاصة للنهوض بهم إلى مستوى أفضل وانخراطهم في المجتمع ليشعروا بوجودهم وبأنهم ليسوا مهمشين في هذه الحياة بل وعلى العكس تماماً فهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع آخذين بعين الاعتبار أنه يجب علينا ألا ننظر إليهم نظرة الشفقة والرحمة لأن هذا أشد ما يبغضونه، بل يجب علينا أن نستمع إليهم ونحترم آراءهم ونعزز هواياتهم وننمي المواهب الكامنة في أعماقهم .[/b]
[b]فصحيح أن بعض الأطفال قد يكونون في غاية القسوة اتجاه الطفل المختلف، وقد ينفرون منه أحياناً، أو يشتمونه وينظرون إليه نظرات الغرابة والدهشة، وقد يلجأ البعض منهم إلى حد السخرية والاستهزاء أو النفور أو إلى حد الضرب والإيذاء والإيلام أحياناً. وقد يحدث هذا مع الكبار أيضاً في بعض الأحيان . [/b]
[b]إلا أن هذا لا يعني أن نسلم بهذا الواقع الخاطئ بل وعلى العكس تماماً يجب علينا أن نتفهم الأشخاص المختلفين بشكل أفضل سواء كان الاختلاف في اللون أو الثياب أو المعتقدات أو اللغة أو الحركات أو القدرات أو الشكل أو حتى في أبسط الأشياء .[/b]
[b]والمهمة الملقاة على عاتقنا مهمة كبيرة جداً تحتم علينا وبحكم التعامل مع أرقى المخلوقات- ألا وهو الإنسان- أن نكون الطليعة الواعية المبادرة لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على ممارسة كافة الحقوق دون أدنى انتقاص منها وتشجيع الفئة الثانية على فهم ذوي الاحتياجات الخاصة وتقبلهم ومساعدتهم لها .[/b]
[b]من هنا نرى أن المهمة ذو شقين متلازمين لا يمكن الفصل بينهما إطلاقاً وعلينا أن ندرك تماماً هذه الحقيقة التي لا مناص منها لأن كل منا في نهاية المطاف هو ذو حاجة خاصة.[/b]
[b]الأنشطة : [/b]
[b]يتضمن المخيم الصيفي لذوي الاحتياجات الخاصة العديد من الأنشطة الهامة والتي تخدم تحقيق الأهداف التي من اجلها أقيم النادي وهذه الأنشطة تتضمن فعاليات مختلفة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: [/b]
[b]( الأنشطة الرياضية، الأنشطة الفنية، الأنشطة الثقافية، الأنشطة الصحية،الأنشطة التعليمية، الأنشطة التربوية،الأنشطة التهذيبية.... الخ) .[/b]
[b]
[/b]
[b]نحن في النادي الصيفي : [/b]
[b]منذ اليوم الأول في المخيم تبلورت لدي الفكرة تماماً واتخذت قراراً بأن أراقب الأحداث على أرض الواقع لأكتب عن مجرياتها جماعية كانت أم فردية علها تفسر لي شيئاً مما يدور في خاطري عن هذا العالم المجهول فتجولت في المخيم بحثاً عن ضالتي المنشودة ألا وهي فكرة الدمج لأرى بأم عيني كيف ستكون الأمور وكيف سأوظف كتابتي عن هذا المجال .[/b]
[b]ومنذ اللحظة الأولى انتابني شعور غريب وعجيب عندما رأيت الدمج يبدأ من الدّين في ذلك المكان الذي صمم على شكل يكون فيه كنيسة للمسيحي ومسجداً للمسلم ولا ضير في ذلك فكلنا خلق الله وكلنا يعبد الله سبحانه وتعالى وكل يمارس دينه حسب طقوسه.[/b]
[b]ثم انطلقت قدماي إلى المستوصف الذي يحتوي على كميات من الأدوية المتنوعة ويقيم فيه الطبيب أحمد إبراهيم أحمد مدير المنطقة الوسطى بوكالة الغوث الدولية والذي يقدم الخدمات لجميع من في المعسكر دون مقابل مادي ودون أي اعتبارات مادية ولكن الذي يدفعه إلى ذلك هو العمل الإنساني النبيل الخالص وعندما سألته عن المستوصف قال لي : أنه ملك للجميع وأن الأدوية الموجودة في الصيدلية هي على شكل تبرعات من أناس مختلفين لا يعرفون بعضهم . فكل من يأتي إلى هذه القرية – كفر سيتا – يجلب معه كمية من الأدوية ويضعها في الصيدلية ويتركها عند المغادرة ليستخدمها من يأتي بعده.[/b]
[b]أما الأماكن التي يسكن فيها الأطفال فهي مكيفة هندسياً بشكل يقدم الخدمات للجميع لتحقيق أقصى درجات الراحة والأمان وقد استخدمت الطوابق العليا للنوم والطوابق السفلى لممارسة مختلف الأنشطة والفعاليات والهوايات. فهذه قاعة للرسم والأعمال اليدوية وهذه قاعة للتعلم على الحاسوب وتلك قاعة لتعليم التقاط الصور. وسنأتي على ذكر كل نشاط في حينه.[/b]
[b]المشرفون والمشرفات : [/b]
[b]هم أناس تقف كل أبجديات العالم عاجزة صاغرة أمامهم، ولو اجتمعت كل الحروف والكلمات والجمل فلن تستطيع أن تصف أياً منهم لأنهم أتوا متطوعين من تلقاء أنفسهم- مقبلين لا مدبرين- من أجل خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة على اختلاف حاجاتهم وتفاوت درجاتها.[/b]
[b]كيف لا؟ وبعضٌ منا يتأفف أحياناً من فرد واحد ذو حاجة خاصة.[/b]
[b]كيف لا؟ وبعضٌ منا ينام في بيته قرير العين دون أن يكترث بهموم الآخرين.[/b]
[b]كيف لا؟ وبعضٌ منا لا يعرف أن هناك أناس معذبون في الأرض.[/b]
[b]حقاً إن المشرفين والمشرفات لجديرون بكل الاحترام والتقدير لأنهم يستحقون ذلك.[/b]
[b]لأن الله سبحانه وتعالى أراد بمشيئته أن يسخر لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة في هذا التجمع أناساً طيبين يحملون في أعماقهم كل معاني الحب والحنان والأخلاق الحميدة.[/b]
[b]فالأستاذ أيوب دياب ( مدير المخيم الصيفي ) ذو القامة الطويلة السمراء اللون، والقلب الطيب، والنفس المتواضعة ، تراه يتجول في المعسكر متنقلاً من مكان إلى آخر ليطمئن عن حال كل من في المخيم لا يدفعه إلى هذا العمل النبيل سوى الإيمان المطلق بأن الحياة تكافل وتضحية.[/b]
[b]وتلك الآنسة نجاح زغموت، الإنسانة الطيبة، تراها تندفع إلى المبادرة وتأمين حاجات الآخرين دون كلل أو ملل يدفعها إلى ذلك إيمان راسخ، وعزيمة صادقة، وعمل دؤوب.[/b]
[b]أما قاسم صوان – ذاك الشاب الطيب - فتراه ينهمك في تأمين اللباس والطعام والشراب بأقصى درجات الشروط الصحية لا يدفعه إلى ذلك سوى حبه الخالص للآخرين .[/b]
[b]برنامج المخيم الصيفي : [/b]
[b]يستيقظ المشاركون في المخيم في الساعة السادسة والنصف صباحاً لممارسة درس الرياضة الصباحية الخفيفة التي تناسب قدرات الجميع على اختلاف حاجاتهم حيث يشرف الأستاذ عمر عبد اللطيف على درس الرياضة الصباحية الذي يبدأ بالجري أو المشي الخفيف حول الملعب ثم ينفذون بعض التمرينات الرياضية الخفيفة في المكان ثم ينتقلون إلى مباراة بكرة القدم يحكمها واحد ٌ من ذوي الاحتياجات الخاصة مطلقاً صافرته بعصبية لإعلان بدء المباراة، فتراه يرفع حاجبيه مكشراً ليفرض قراراته على هواه وكما يريد. دون أن يسمح لأحد من اللاعبين أن يتدخل في قراراته. لا يحدّ من غضبه سوى ضحكة يطلقها بين الفينة والأخرى وخاصة عندما يحاول أحد المدربين أن يشجعه على التحكيم .[/b]
[b]ثم ينتقل الجميع إلى تناول طعام الفطور الصباحي فتراهم يتحلقون حول الموائد ينتظرون شارة المباشرة في تناول الفطور بينما يتجول المشرفون والمشرفات بينهم لتأمين حاجاتهم وطلباتهم. يحنّون عليهم ويربتون على أكتافهم وكأنهم أكبادهم تمشي على الأرض.[/b]
[b]وبعد الانتهاء من تناول الفطور تنصرف المشرفات إلى أعمال النظافة بكلّ جدّ ٍ ونشاط ٍ لا يدفعهم إلى المبادرة في العمل سوى العمل الإنساني النبيل الخالص.[/b]
[b]بعد ذلك يتوجه الجميع إلى البحر للسباحة حيث ينتشرون في منطقة محددة تؤمن لهم كل مقومات السلامة و الأمان وهنا تبدأ عملية المراقبة لسلوك كل واحد منهم حيث كنت أرى في كل أصحاب متلازمة داون الحنان المنقطع النظير الذي يبدونه تجاه الآخرين حيث أن بعضاً منهم يمارس رياضة السباحة فتراه ينتقل من مجموعة إلى أخرى وكأنه يريد أن يندمج مع الجميع دونمـــــا أي حواجز أو وموانع تذكر. وقسم لا ينزل إلى البحر بل يكتفي بعملية المراقبة لكل من نزل البحر وكأنه يخاف عليهم من أي مكروه قد يحيق بهم. أما القسم الثالث فتراه يحتار بين هذا وذاك فتراه يداعب الموج بين المد والجزر.[/b]
[b]لقد كنت أنظر إليهم وأنا أرى بأم عيني المعنى الحقيقي لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة بكل مفاهيمه المعنوية والإنسانية والأخلاقية. حيث كان الجميع يلعبون ويمرحون وكأنهم عائلة واحدة فهذا يسبح بوساطة الإطار المطاطي، وذاك يلعب بكرة الماء الهوائية الخفيفة الملونة ، وتلك تراقب الجميع عن كثب، وهذه تضحك لكل المواقف. والمدرب ينتقل من مجموعة إلى مجموعة ليمازحهم ويلعب معهم وكأنه الأب الحنون عليهم. وتلك المجموعة تبني بيتاً من الرمل ثم تهدمه ثم تبنيه. [/b]
[b]ومشرفات يجلسن على مقعد خشبي على الشاطئ ويراقبن من بعيد هذا العالم السعيد الذي نسي فيه كل واحد منهم حاجته وانصهر في بوتقة الجماعة.[/b]
[b]أما أنا فقد كنت أراقب بشغف وبكل الأحاسيس تلك المواقف لأخترق كنه هذا العالم وأسلط الضوء عليه لأنني آمنت كل الإيمان بأن هؤلاء لجديرون بأن يعيشوا بأمن وسلام .[/b]
[b]فهذه عائشة – ابنة الصف الثاني – تجلس بالقرب مني وتراقبني ماذا أفعل وما الذي أكتبه وهي لا تدري أنني أكتب عن عالمها الجميل الذي لا يعرف الحقد والكراهية. [/b]
[b]وكم عجبت عندما أمعنتُ النظر إليها فرأيتها تذرف الدموع من عينيها الجميلتين البريئتين ولا عجب في ذلك فهي مشتاقة إلى أمها لتحنو عليها. ومن منا لا يحنّ إلى أمه.[/b]
[b]وتلك دلال – ذات المتلازمة داون – كانت تقف على الشاطئ مكتوفة اليدين. تروح وتجيء وتراقب بانتباه وحذر شديدين. تلاعب الموج ويلاعبها وكأنه يعرف بحالها، فتراها ترجع إلى الوراء عندما تتقدم الموجة على الشاطئ، ثم لا تلبث أن تعود عندما تنحسر الموجة إلى الوراء، ثم تجلس القرفصاء وتشير بإصبعها إلى هذا أو ذاك أو هذه أو تلك بثغر باسم جميل يحمل في طياته كل معاني البراءة والطفولة.[/b]
[b]لقد كانت بحق مندمجة معهم بمشاعرها و أحاسيسها لا بجسدها حيث لم تنزل إلى البحر أو تلامس ماءه .[/b]
[b]أما عبد الحليم – متلازمة داون – فقد كان يجلس بالقرب مني على مقعد خشبي صغير، يراقب بصمت هادئ، وعينين حاذقتين، حركات الجميع، دونما أن يتحدث بكلمة. ثم لا يلبث أن يضع صافرته في فمه ليطلق صوتاً قوياً مصدراً أوامره أن ِ ابتعدوا واحذروا. ثم تسمعه يصدر تمتمات ٍ لا تفهم منها شيئاً إلا أنك تستطيع تفسيرها من خلال سلوكه وتصرفاته. أما عن سبب عدم نزوله إلى البحر ومشاركة الآخرين في اللعب بالماء فهو يقول أنه لا يجيد السباحة أبداً .[/b]
[b]كما أنك تراه ينظر إلى الورقة التي أدوّن عليها كتاباتي وكأنه يجيد القراءة والكتابة ثم يسألني عما أفعل فأجيبه بابتسامة عريضة تنم عن الرضا عنه فيبادرني القبلة التي عهدتها منه دوماً.أما تلك المشرفة التي جلست بالقرب مني وسألتني عما أفعل فقد أبدت إعجاباً شديداً بالفكرة وأخذت تسترسل -دون أن تدري- في سرد قصة شقيقها وشقيقتها اللذان كانا يعانيان من نقص في السمع والنطق وكم كانت أمها تمضي من الأيام في نحيب وبكاء على الواقع المرير الذي يعيشه ولداها في وقت لم يكن المجتمع يتقبل فيه بعد فكرة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة ولم تكن هناك الرعاية الكافية لهذه الفئة من الناس كما يحدث في يومنا هذا مما كان يفرض على شقيقها الذي كان على قدر ٍ كبير من جمال المحيا وشقيقتها السمراء اللطيفة الانزواء في المنزل وعدم
الاختلاط مع الناس أو معاشرتهم مع العلم أن العيب ليس في هذين الشخصين بل العيب في المجتمع الذي كان يرفض ذلك لمجرد جهل أو عدم دراية .[/b]
[b]إلا أن الأيام كفيلة أن تحقّ الحقّ وتزهق الباطل لأن هذه هي شريعة الله سبحانه وتعالى ولا ضير في ذلك لأننا جميعاً خلقنا سواسية كأسنان المشط ولا فرق لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح فقد أبدت الدولة اهتماماً كبيراً بذوي الاحتياجات الخاصة مما ساعد الفتاة على الانخراط في مركز ٍ للتأهيل المجتمعي لتتعلم مهنة الخياطة، والشاب في مركز يتعلم فيه مهنة الحلاقة الرجالية وبذلك تكون قد خفت أعباء الحياة على هذين المخلوقين لأنهما قد انخرطا في المجتمع وأصبحا عضويْن منتجيْن في هذا المجتمع بدلاً من أن يكونا عالة ً عليه.[/b]
[b]داخل القاعة : [/b]
[b]بعد الانتهاء من البحر مباشرة يذهب الجميع إلى الاستحمام وإزالة المياه المالحة والرمال عن أجسادهم البريئة ثم يتوجهون إلى قاعات العمل لممارسة الأنشطة المختلفة حيث قسموا إلى مجموعات تراعى من خلالها قدراتهم الجسدية والعقلية والفيزيولوجية كل حسب حاجاته وقدراته ثم يبدأ المشرفون والمشرفات بالعمل معهم وتدريبهم على مهارات مختلفة بينما رحت ُ أتجول بين القاعات لأرى بأم عيني كيف يعمل هؤلاء مذللين الصعاب ومتغلبين على مشكلاتهم ليكونوا أعضاء فاعلين ومؤثرين في المجتمع .[/b]
[b]في قاعة الرسم : [/b]
[b]دخلت إلى القاعة عندما كان المشرف يتناول موضوعاً يخص عالم ذوي الاحتياجات الخاصة حيث أطلق لهم العنان ليعبروا بالرسم عما يجول في أعماقهم من أحاسيس ومشاعر وكيف تملي عليهم حاجاتهم أن يتعاملوا معها، أو أن يجدوا طرقاً للتواصل مع الآخرين . فراحوا ينكبون على الرسم متناولين موضوعات مختلفة رأيت من خلالها المعنى الحقيقي للكفاح من أجل البقاء رغم كل الظروف والتحديات التي تفرضها الحياة عليهم .[/b]
[b]فهذا محمد ٌ يرسم طفلاً يتكئ ُ على عكازين وقد بترت ساقه، إلا أنه يصمم على أن يرسم البسمة على شفتيه كدليل على التشبث بالحياة غير آبه بما حلّ به من المصائب.[/b]
[b]وهذا عبد الله يرسم طفلاً مبتور اليدين من الأكتاف ويستخدم قدميه في العمل لا تثنيه إعاقته عن مواصلة الحياة.[/b]
[b]وهذا نمر يرسم طفلاً يجلس على كرسي نقال يساعده صديقه في الذهاب إلى المدرسة بينما تتقدم منه فتاة لتقدم له وردة حمراء تعبيراً عن الطفولة البريئة.[/b]
[b]أما البنات منهن فانصرفن إلى أعمال ( الكنفا ) حيث ينسجن أعلام الوطن بهمة ونشاط، ويرسمن أشكالاً جميلة، فتبدو ألوان الأعلام زاهية ً.[/b]
[b]أما دلال فراحتْ تصنع من المعجون أشكالاً جميلة ً لحيواناتٍ مختلفة ٍ وتضعها على المنضدة الواحدة تلو الأخرى ، فرحة مبتسمة بعد كل إنجاز ٍ تحققه.[/b]
[b]كل ذلك لم يكن في منأى عن المشرفات اللواتي رحن يتجولن بين الأطفال لتقديم المساعدة حيناً وتنمية المواهب حيناً آخر من خلال عبارات التشجيع والترغيب التي يقدمنها للأطفال .[/b]
[b]قاعة الحاسوب :[/b]
[b]لا أخفي سراً أنني بينما كنت متجهاً في الطريق المتعرج إلى غرفة الحاسوب كنت أفكر بدهشة وغرابة متسائلاً: كيف لهذه الفئة أو تلك أن تتعامل مع هذا الجهاز المتطور العجيب الذي يتطلب من الإنسان أعلى درجات الدقة والمهارة. إلا أنه كان قد فاتني أن هذا الحاسوب الصغير الدقيق ما هو إلا من صنع يد الإنسان ذو العقل المفكر والمدبر. وبالفعل فقد أيقنت عندما دخلت ُ القاعة أن الإنسان عظيم ٌ يستطيع أن يحقق كل ما يصبو إليه عندما يمتلك العزيمة والتصميم على بلوغ الهدف .[/b]
[b]فهذا المدرب أوس - صاحب القلب الطيب، والأخلاق العالية، والشخصية الرزينة ، تراه قد قسم المتدربين إلى مجموعات تكافلت فيما بينها بقدراتها الجسمية والعقلية يساعده في ذلك شاب وسيم المظهر، دمث الخلق ، ومما ساعد على النجاح في ذلك هو ذكاء المدرب الذي عرف كيف يستنهض القدرات الكامنة لدى هؤلاء الأطفال كل حسب قدراته وحاجته.[/b]
[b]
قاعة الأعمال اليدوية :[/b]
[b]في هذه القاعة تتجلى العبقرية الخالصة لذوي الاحتياجات الخاصة، فالطفلة التي تعاني من ضعف في طرفيها العلويين تضع في فمها اسطوانة بلاستيكية صغيرة (شراقة كازوز) وتنفخ فيها على ألوان مائية سائلة ليتطاير الرذاذ منها على الورق محدثاً بقعاً لونية جميلة أخاذة أقرب ما تكون إلى لوحة من الفسيفساء المنقوشة بكل مهارة وإتقان.[/b]
[b]والطفلة الضعيفة البصر ترصف قطعاً من أصداف البحر الجميلة, أو حبات الفستق أو المعكرونة أو حبات العدس بعد أن تتحسسها بكلتا يديها بشكل متلاصق على آنية من الفخار لتبدو آية في الروعة والجمال.[/b]
[b]أما الطفل الذي يعاني من ضعف في السمع فتراه مرهف الحس من خلال صندوق يلف حوله حبلاً من القنب ليصنع منه علبة ً للضيافة أو وعاء ً للمناديل الورقية.[/b]
[b]وأما أصحاب متـــلازمة داون فترى كل واحد منهم وقد انكب مع المشـــرفة على المنضـدة يتعلم ما يحلو له من الأعمال اليدوية البسيطة.[/b]
[b]فن التصوير : [/b]
[b]بعد أن تلقى الجميع درساً من قبل المدرب بسام في فن التصوير وكيفية استخدام آلة التصوير وكيفية توضيح الصورة قبل أخذ اللقطة أخذوا يطبقون ما كانوا قد تعلموه بشكل عملي وكم كانت الصورة جميلة ومعبرة تلك التي التقطها أحدهم لعجوز في التسعين من عمره بينما كان جالساً على كرسي بال ٍ جار الزمن عليه حتى أكل بعضاً من أخشابه والتي نالت فيما بعد إعجاب الجميع لتنال جائزة أجمل لقطة.[/b]
[b]في المطعم : [/b]
[b]كم كان يروق لي هذا المنظر الجميل الرائع الذي يتجلى في المطعم، حيث ترى فيهم مثال الأسرة السعيدة التي لا يشوبها أي مكر أو خداع أو أنانية. بل وعلى العكس تماماً ترى كل واحد منهم يكمل الآخر وإن أعظــم ما كان يشــد انتباهي في هذا المكان أصحاب متلازمــة داون الذين لا يتناولون الطعام قبل أن يتأكدوا من أن الجميع جالس في مكانه، وطلباته مؤمنة، ولا ينقصه شيء. ولا غرابة من أن ترى ذاك البطل (معن) يتناول الطعام دون أن ينبث ببنت شفة أو يأتي بأي حركة سوى تلك الحركات التي يلقف من خلالها اللقمة في فيه أو يغمس لقمة من الوعاء الذي أمامه.[/b]
[b]وهذا عبد الحليم تراه يتمتم دون أن تفهم ما يريد ويهب واقفاً بين الفينة والأخرى ليسكب طعاماً من هذا الوعاء أو من ذاك الوعاء .[/b]
[b]أما عمر فما أكثر أن ينزوي جانباً معلناً عدم الرضا عن هذا أو ذاك دون أسباب تذكر.
ولقد لفت نظري في هذه اللحظة طفلتين صغيرتين تجلس كل منهما على كرسي متحرك مما أثار فضولي إلى أن أراقبهما بدقة متناهية لأرى كيف ستتدبران أمرهما. وكم كانت الأصابع الصغيرة معبرة عندما تمزق اللقيمة وتحملها إلى الفم تحمل في طياتها ألف سؤال وسؤال .[/b]
[b]وكم كنت سعيدا عندما طلبت من الطفلة ملك ذات الخمس سنوات أن أقوم بإطعامها فابتسمت إيجاباً لتجعلني أحس بأنني أمتلك العالم بين يدي.[/b]
[b]
العصر ونية :[/b]
[b]في الوقت الذي يذهب فيه الجميع من أجل القيلولة كانت هناك المجموعة التي ستشارك في حفلات المساء تواصل تدريباتها على لوحة فنية بقيادة الأستاذ (محمد حيفاوي) على إيقاع أغنية قام بتلحينها الأستاذ الملحن فؤاد موعد والتي تحمل في طياتها تمسك ذوي الاحتياجات الخاصة بالحياة عندما يطلبون من الآخرين تقبلهم متمسكين بحقهم في البقاء.[/b]
[b]ومجموعة تتدرب على الدبكة الفلسطينية بقيادة الأستاذ زياد ترشحاني الذي لم يبخل بحركة واحدة على طفل يدفعه إلى ذلك الحس الوطني الخالص.[/b]
[b]حفلة سمر: [/b]
[b]مساء كل يوم، وعلى إيقاع أمواج البحر المتلاطمة التي تشق طريقها وسط الصمت الهادئ، وفي ليلة صافية تتألق فيها النجوم متلألئة في كبد السماء، وفي ظل رطوبة تحمل في ذراتها رائحة البحر الرطبة، وبعد أن يتناول الجميع طعام العشاء. [/b]
[b]يجتمع المشاركون في الساحة العامة التي جهزت بالأعلام، والزينات، والبالونات الملونة، وانتصبت أجهزة الصوت وسط الساحة ليتألق صوت المطرب الفنان القدير تميم مشهراوي الذي يشق بصوته المخملي العذب عباب البحر، وعنان السماء ليقول كلمته الحق في ذوي الاحتياجات الخاصة. ولا عجب في ذلك فهو واحد منهم، يشعر بشعورهم، ويحس بأحاسيسهم، يفرح لفرحهم، ويتألم لآلامهم .[/b]
[b]أما الآنسة - رانيا عنقا - التي حلت لساعات ضيفة على المخيم فقد أبت إلا أن تقدم معزوفة على الآلة الموسيقية لتعلن على الملأ أن الإرادة والتصميم هما السبيل إلى الحياة الكريمة. وكم كانت دهشة الحضور كبيرة عندما أبدعت في العزف رغم الظروف الجسدية التي تحيط بها يدفعها إلى ذلك عشقها للحياة وحبها للبشر.[/b]
[b]ويتخلل الحفل أنشطة ومسابقات وفعاليات مختلفة يشارك فيها الجميع بمنتهى درجات الفرح والسعادة حيث ترى البسمة ترتسم على شفاه الجميع.[/b]
[b]كما يشارك في الحفل جمهورٌ كبير ٌ يأتي من قرية كفر سيتا معلناً أن الحياة لا تتوقف عند هذا الحد أو ذاك، ولا تقتصر على أبيض أو أسود، أو مسلم أو مسيحي، فالكل هنا سواء يشاركون بعضهم بعضا في الأفراح المسرات.[/b]
[b]الثلاثي المرح: [/b]
[b]إن نظرة بسيطة لمختلف الأنشطة التي تقام في المخيم الصيفي لذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام من أبناء الشعب العربي الفلسطيني تجعلك ترى ثلاثة من أصحاب متلازمة داون يشكلون العصب الرئيس، والشريان النابض، والقاسم المشترك، في كل الفعاليات. وإن أهم ما يشد انتباهك من صفات ٍ تجمع بين هؤلاء الثلاثة هي الحنان الزائد، والخوف على الآخر، والغيرة فيما بينهم إلى درجة كبيرة. وهم يتفاوتون فيما بينهم بدرجة الذكاء، وهذا ما يمكن أن تلاحظه من تصرفاتهم حيال مختلف المواقف، وكيف يتعاملون معها، أو من خلال سلوكيات يتصرفونها فهذا (معن) تراه في غاية النظافة والترتيب ويمتلك القدرة الفائقة على التعامل مع مختلف المواقف ولا عجب إن قلت لك أنه يمتاز بسرعة البديهة ومهارة متناهية في الدقة على التقليد والتمثيل والميل إلى الحركات الإيمائية المعبرة فتراه يقلد حركات صياد ٍ ماهر ٍ يحمل بندقية ويصوبها إلى عصفور ٍ حطّ على شجرة عالية دون أن ينسى أياً من الخطوات بدءاً من تجهيز البندقية وانتهاء ً بسقوط العصفور على الأرض. أو أنك تراه يقلد حركات الحلاق وهو يزيّن ذقن أحد الزبائن دون أن ينسى أياً من الخطوات أيضاً. هذا فضلاً عن استطاعته تقليد حركات أيّ ٍ من المشرفين في المخيم. أو أداء الرقصات الحلبية الجميلة.[/b]
[b]وتراه مرهف الحس إلى درجة كبيرة تجعله يتأثر بالمواقف الحزينة إلى درجة ذرف الدموع الدافئـة على وجنتيـه.[/b]
[b]ثـم يطـل عليك عمـر الذي يميل للغيرة من معن أو من عبد الحليم بشكل غريب وعجيب وكثيراً ما ينزعج أبســط الأســباب وينزوي جانبــاً أو يحــزم أمتعته مهدداً بالسفر إلى بيته في دمشق ولا يتراجع عن قراره هذا حتى تعيره اهتماماً أو يأتي المشرف (قاسم) ليغويه بهمسات ٍ في أذنيه، بينما يتساءل الجميع عن سرّ هذا اللغز بينهما.[/b]
[b]وما أكثر ما يقترب منك عندما تعيره اهتماماً ليطبع على وجنتيك القبلة تلو الأخرى تعبيراً عن رضاه عنك وحبه لك.[/b]
[b]وأما عبد الحليم فتراه يقترب من هذا وذاك سعياً منه أن يلقى اهتماما من الآخرين، خاصة وأنه يرى اهتمام الجميع بحركات معن. إلا أنك تراه يبدي استياء ً من تصرفات عمر وانزعاجا ته التي لا مبرر لها وانزواءاته في الزوايا المختلفة ، ويعبر عن استنكاره لهذه التصرفات من خلال تمتمات اعتاد عليها الجميع دون أن يفهم أحد معناها.[/b]
[b]الوداع : [/b]
[b]صعبة هي لحظات الفراق ، وصعبة لحظات الوداع الأخيرة، وقاسية ساعة فراق الأحبة ، ولكن الأصعب من هذا وذاك أن يستطيع المرء وصف تلك اللحظات ببضع من السطور، على بعض ٍ من الصفحات ، بقليل من الحروف والكلمات، وذاكرة خجولة، ولكن لا بد من المحاولة، لأنها مواقف تستحق الوقوف عندها. فهي تفتت الحجر الأصم، وتجعل القلب يخفق بالحب والحنان لأناس عشت معهم على مدار سبعة أيام خلتْ، عرفت فيهم كل معاني الإنسانية.[/b]
[b]وكم هي صعبة تلك اللحظة التي توقفت فيها ثلاث حافلات كبيرة استعداداً لساعة الانطلاق والرحيل حيث يتجه كل ٌ إلى بلده. وما أشده من منظر مؤثر عندما ترى الأطفال يودعون بعضهم بعضاً والدموع تنهمر من المآقي معلنة أن لا وداعاً..لا وداعاً... بل لقاء... بل لقاء نعم... فهم على حق لأنهم يعرفون تمام المعرفة، أنهم على موعد في العام القادم، وفي نفس الزمان والمكان. ومن يدري من يأتي في العام القادم أو لا يأتي لأن هذا مرهون بمشيئة القدر. ولكن وعلى كل حال لا بأس في ذلك فالكل في الحال سواء وهذه هي حال الدنيا. ولكن المهم أن نخلص إلى أن ذوي الاحتياجات الخاصة هم أناس ٌ طيبون يستحقون الحياة كما نستحقها نحن فكلنا خلق الله.[/b]
الثلاثاء سبتمبر 14, 2010 4:31 am من طرف عاشق مدريد
» ريال مدريد تفوز على اوساسونة 1-0
الأحد سبتمبر 12, 2010 3:12 pm من طرف عاشق مدريد
» عيد الام
الخميس مارس 18, 2010 3:53 pm من طرف ابو اشرف
» دوري ابطال اوروبا
الأحد مارس 07, 2010 1:15 pm من طرف ابو اشرف
» ابطال اوروبا
الجمعة مارس 05, 2010 8:19 am من طرف مجنون وجليطة
» كتائب الشهيد أبو علي مصطفى تشن هجوماً بالأسلحة الرشاشة وقذائف الهاون على قوات الاحتلال شرق بيت حانون
الثلاثاء فبراير 23, 2010 3:02 pm من طرف ابو سوداح
» دبي تملك أدلة جديدة تدين الموساد في اغتيال المبحوح: اتصالات هاتفية وبطاقات ائتمان
السبت فبراير 20, 2010 3:37 pm من طرف ابو سوداح
» صور نادي برشلونة
السبت فبراير 20, 2010 3:30 pm من طرف سامية
» ثغرة أمنية في مايكروسوفت تسبب الهجمات ضد غوغل
الجمعة فبراير 12, 2010 3:06 pm من طرف ابو سوداح